إمتطيت قطارا شتويا باردا بعد منتصف الليل ، وتفكيري كله منصب على احتضان مدينة ساحرة لم تتعود أن تراني شتاء.
إسم ...، ومدينة لا تبهر لكنها ساحرة
مهرجان...، وقصة بدأت ولم تنتهي إلا في اليوم الثالث
شخصيات أثثت ملتقى أصيلة الثاني للقصة القصيرة ، في هدوء الحكماء و حركية رواد جامع الفنا بمراكش. القاص صخر المهيف (مدير الملتقى) كان حاضرا بكل صخبه وهدوئه أيضا. الكاتبة فاطمة الزهراء المرابط نحلة لا تكل من التحليق في سماء المدينة لتأتي بجديد ، تنبىء بوصول قاص أو قاصة ، تأخذ صورة هنا أو هناك أو توزع مطبوعا جديدا. كل الرواد حضروا ، من القاص والأديب المحتفى به عبد السلام بلقايد ، إلى القاص عبد السلام الجباري الصامت في جلسته ، كأنه يتهيء للإعلان عن نبوءات جديدة. كل الأسماء أصرت على الحضور، حتى التي لم تخطر على بال ، لتزف العريس عبد السلام بلقايد إلى منصته . قاص مبدع يصر على إبعاد شبح الشيخوخة كلما طرقت أبواب بيته ، ليظل محتفظا بسحنة طفولته الكبيرة. مدينة أصيلة الصغيرة بدت مثل (triporteu ) يصر السائق على إثقالها بأكثر من وزنها ، أكثر من 50 قاصا وقاصة مع صحافيين حضروا ، لكنها مع ذلك فتحت أبوابها للجميع ليناموا على الوسادة مطمئنين وفي رأسهم أكثر من قصة جميلة. أحمد السقال يسرع إلى سيارته " اللاغونا " في جنون العقلاء كلما رن هاتفه المحمول ، ليكون في الموعد قبل أن يحط ضيف قدمه على رصيف محطة القطار. محمد الوديي فتح أبواب مطعمه الثقافي الأندلسي وجاد بكل خيرات البحر، لتسمع حيطانه و نستمتع نحن بأشعار قاسم لوباي وحسن اعبيدو.
ملتقى الشتاء والصيف ، عاشته أصيلة من02 إلى04 دجنبر 2011م بعيدا عن ثقافتها الموسمية ، حيث يفتح السماسرة دكاكينهم ثم يحكمون إغلاق أقفالها المعدنية الثقيلة ، و ينصرفون في انتظار موسم ثقافي جديد وقد امتلأت جيوبهم . لم نكن مثلهم نحن القصاصين والقصاصات في موسمنا القصصي ، حط الجميع بالمدينة محملا برأسماله الرمزي (ما لذ وطاب من القصة المغربية المعاصرة) مسالمين محبين ومبدعين في عز فصل الشتاء ، حتى أنني أعطيت بظهري للمحيط والشاطيء وأنا مار قربه من محطة القطار في اتجاه المدينة لأظهر لها أنني جئت من أجل القصة فقط وحبها الشتوي ، ولم آت انتهازيا أو طامعا في زرقة محيطها ونعومة رمالها. كل ما في أصيلة يوحي بأنها وجدت لتكون مدينة للثقافة والمثقفين الحقيقيين وليس للمتاجرين بالثقافة ، حيث لم يحضر لا سفير أو وزير متقاعد من ضيوفهم ممن تعودنا على حضورهم الموسمي ، لأنهم لا يحبونها من أجل الثقافة كما أحببناها نحن ، بل من أجل قدودها وخدودها وعيونها الزرق والسمر.
أصيلة ... ، كم أنت حلوة وجميلة وبريئة ، وأيضا كبيرة في أعين المبدعين والمبدعات ، أنت الصغيرة . لم يأت أحد منا ليفض بكارتك أو يضاجعك من الخلف ، أو يمارس عليك / فيك شذوذه الجنسي والثقافي . من الجهات الأربع أتوا كلهم (ن)...، وكانت البتول المحجوب القادمة من مدينة طانطان بزيها الحساني / الصحراوي (أملحاف) وألوانه التي لا تحصى قد وحدتنا ، نكاية فيمن يريد تفرقتنا كمغاربة وأيضا كقصاصين وقصاصات. كنت أعلم أننا غير معنيين بغضب سمائها الشتوية فوق رؤوسنا حين تكفهر ملامحها ، تسود غيومها أو تبرق وترعد فينزل المطر مدرارا ، لكنها كانت تحنو علينا كلما سمعت قصة جميلة ، فتميط اللثام عن شمسها ، لتدفئنا في أزقتها الأندلسية الضيقة و شوارعها الباردة.
أصيلة...، أيتها المدينة الصغيرة / الجميلة / الساحرة ، أحبوك في الصيف طمعا فيك ، وأحببناك صيفا وشتاء حبا فيك ... ، وفي صديقنا عبد السلام بلقايد عريس قصتها القصيرة في دورتها الثانية.